هل ستصبح الرياض عاصمة الموضة؟ تتحرك صناعة الأزياء في السعودية بخطى متسارعة نحو موقعٍ ريادي عالمي؛ إذ سجلت القطاع مساهمةً بلغت 2.5% من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2023، مقارنة بـ1.4% في 2022. هذه القفزة ترافقت مع خلق 320,000 فرصة عمل، 52% منها تشغلها نساء، ما يعكس تحولاً اجتماعياً واقتصادياً جوهرياً. تلك الأرقام، الصادرة عن تقرير «حالة قطاع الأزياء 2024» لهيئة الأزياء، تؤكد أن الرياض تستعد لمنافسة عواصم الموضة التقليدية.
بنية تحتية محلية تعادل عواصم الموضة
ستستضيف الرياض أسبوعها الرسمي للأزياء بين 15 و 20 أكتوبر 2025، في منصة تهدف إلى «بناء عاصمة أزياء جديدة تمزج الثقافة بالتجارة والإبداع» بحسب الموقع الرسمي للفعالية وحسابها على «إنستغرام». الاشتراطات تلزم المصممين بتقديم 25 إطلالة أصلية، ما يرفع المستوى الإبداعي ويضمن جودة العروض. هذا الحدث يوفر منصة مباشرة للمصممين المحليين لعرض أعمالهم أمام مشترين عالميين، الأمر الذي كان حكراً على أسابيع باريس وميلانو سابقاً.
برامج حكومية تسّرع التطور
برنامج «100 براند سعودي»، الذي ترعاه هيئة الأزياء، يقدّم استشاراتٍ متخصصة وتدريباً مجانياً لتمكين العلامات المحلية من التوسع الداخلي والخارجي. وضمن البرنامج، شارك 11 مصمماً في عرض خاص داخل متجر «لا ساماريتين» الباريسي خلال أسبوع الموضة للرجال، بحضور شخصيات دولية بارزة. الرئيس التنفيذي لهيئة الأزياء بوراك تشاكماك وصف المبادرة بأنها «فرصة كبرى لتعزيز الروابط مع دوائر الموضة العالمية». كذلك أكد تقرير «الشرق الأوسط» أن نسخة باريس لهذا العام ستعرض تشكيلة ربيع–صيف 2026، في تعاونٍ مع منصة «ترانوي».
شراكات تعليمية تضع الأساس للمستقبل
في خطوة استراتيجية، أعلنت هيئة الأزياء شراكة مع معهد «إستيتوتو مارانغوني» الإيطالي لافتتاح حرمٍ جديدٍ في حي الملك عبدالله المالي بالرياض في أغسطس 2025. الحرم سيقدّم دبلوماً متقدماً من ثلاثة أعوام في تصميم الأزياء، الإدارة الفاخرة، والعطور، مع 50 منحة مموّلة بالكامل للطلاب السعوديين. تشاكماك شدد على أن وجود المعهد «يمنح المبدعين فرصة التعلم محلياً دون مغادرة البلاد»، ما يسهم في بناء قاعدة بشرية تنافسية قادرة على الابتكار وقيادة الصناعة إقليمياً وعالمياً.
معارض استثمارية تفتح آفاق التمويل
لم تقتصر الجهود على التدريب، إذ نظمت هيئة الأزياء جولة استثمارية في لندن تزامناً مع ختام «أسبوع لندن للموضة» في سبتمبر 2024، هدفها استقطاب رؤوس الأموال الدولية. الفعالية استعرضت حوافز تمويلية يوفرها صندوق التنمية الثقافية ووزارة الاستثمار، إضافة إلى تدشين مركز بيانات يرصد مؤشرات القطاع بشكل دوري. هذه المنصات تؤمّن سيولة ضرورية لتوسيع خطوط الإنتاج المحلية وتقليل الاعتماد على الواردات، خصوصاً أن 56% من الاستهلاك لا يزال مستورداً.
منصات فكرية تعزز الاستدامة والابتكار
يُكمل مؤتمر «فاشن فيوتشرز» هذا المشهد، إذ جمع منذ 2019 أكثر من 70 متحدثاً دولياً و2,500 مشاركاً لمناقشة الاستدامة والتقنية في الأزياء. مثل هذه المؤتمرات ترسخ صورة المملكة كمركزٍ للحوار العالمي حول مستقبل الموضة، بما يشمل القضايا البيئية وسلاسل التوريد الأخلاقية، وهي قضايا تتصدر أجندة الصناعة في العواصم التقليدية.
رؤى ختامية: لماذا الوجهة التالية؟
- أرقام النمو الاقتصادي والوظائف تؤكد وجود سوق محلية قوية وقادرة على دعم المصممين.
- منصات العرض مثل «أسبوع الرياض» و«100 براند سعودي» تكفل حضوراً دولياً متواصلاً.
- شراكات تعليمية واستثمارية رفيعة المستوى توفر المهارات والتمويل اللازمين للتوسع.
- دعم حكومي مباشر يضمن استمرار الزخم ضمن رؤية 2030، ما يميز الرياض عن عواصم عديدة تنافس على لقب العاصمة الجديدة للموضة.
بهذه الركائز يتقدم قطاع الأزياء السعودي بثبات ليحجز موقعه بين باريس وميلانو، مستنداً إلى إرادة سياسية، قاعدة موهوبين متنامية، وأسواق استهلاك شغوفة بالتصاميم المحلية ذات البصمة الثقافية الفريدة.




